التركيز على العميل(Customer Centricity): الاستراتيجية التجارية التي تضع العملاء في صميم كل قرار

CUSTOMER CENTRICITYCUSTOMER EXPERIENCE

Musa Hanhan, CCXP Human Experience | Design | Technology | Mentor

6/3/20251 min read

التركيز على العميل(Customer Centricity): الاستراتيجية التجارية التي تضع العملاء في صميم كل قرار

لقد تطوّر مفهوم "محورية العميل او التركيز على العميل" من مجرد مصطلح شائع إلى ضرورة استراتيجية في عالم الأعمال. فبينما تدّعي العديد من المؤسسات أنها تضع العميل في مركز اهتمامها، فإن القليل فقط منها يتقن فعلاً فن جعل العميل في قلب عملياتها. ومع ازدياد التنافس في الأسواق وارتفاع توقعات المستهلكين، أصبحت المحورية الحقيقية للعميل العامل الحاسم الذي يميز رواد السوق عن منافسيهم.

فهم محورية/ التركيز على العميل: ما هو أبعد من خدمة العملاء أو نجاح العملاء

بحسب شركة "غارتنر"، تُعرّف محورية العميل بأنها "قدرة الأشخاص داخل المؤسسة على فهم أوضاع العملاء، وتصوراتهم، وتوقعاتهم". وهذا يتجاوز مجرد تقديم خدمة ودّية؛ إنه يتطلب أن يصبح العميل هو النقطة المحورية في جميع القرارات المتعلقة بتقديم المنتجات والخدمات والتجارب.

فمحورية ومركزية العميل الحقيقية لا تعني الاكتفاء بإظهار اللطف تجاه العملاء، بل تعني دمج العميل في صميم كيان المؤسسة. وهذا يستدعي أن تُؤخذ اهتمامات العملاء في عين الاعتبار داخل كل وظيفة من وظائف المؤسسة، بدءاً من تطوير المنتجات، مروراً بالمبيعات والتسويق، وانتهاءً بكل تفاصيل العمل الأخرى. ويتطلب هذا التحول أن تتجاوز الشركات النمط التشغيلي القائم على العزلة بين الأقسام، نحو نموذج متكامل يتمحور فيه كل قرار تجاري حول تأثيره على العميل.

التحول من النماذج التقليدية إلى نماذج الأعمال المرتكزة على العميل

غالبًا ما تضع نماذج الأعمال التقليدية المنتجات والعمليات الداخلية في مقدّمة الأولويات، على حساب احتياجات العملاء. وتتميّز هذه المؤسسات التقليدية بأنها:

-تركّز على تطوير وبيع منتجات تحقق أهداف العمل أولاً

-الاتجاه نحو الابتكار انطلاقًا من عوامل داخلية أو اتجاهات السوق

-تعطي الأولوية للعلاقات المعاملاتية والمكاسب قصيرة المدى

-تستخدم بيانات العملاء في الغالب لأغراض المبيعات والتسويق فقط

في المقابل، فإن المؤسسات المرتكزة على العميل:

-تضع العميل في مركز جميع قراراتها وعملياتها

-تدفع الابتكار بالاستناد إلى رؤى العملاء وملاحظاتهم

-تبني علاقات طويلة الأمد و التي تعزز الولاء والدعم

-تدمج بيانات العملاء في جميع مستويات المؤسسة لتخصيص التجربة بشكل أعمق

هذا التحوّل الجذري لا يتطلب فقط تغييرًا في الإجراءات، بل يستوجب إعادة تشكيل عقلية المؤسسة بالكامل.

الحافز التجاري و الاستراتيجي لمحورية العميل

إن فوائد تبنّي محورية العميل تتجاوز بكثير مجرد تحسين رضا العملاء. فالمؤسسات التي تنجح في تطبيق استراتيجيات مرتكزة على العميل تحقق أداءً يفوق منافسيها عبر مؤشرات أعمال رئيسية، منها:

-زيادة في الإيرادات والحصة السوقية

-تعزيز ولاء العملاء ورفع معدلات الاحتفاظ بهم

-تحقيق ميزة تنافسية مستدامة

-نمو طويل الأجل واستمرارية في النجاح

وتؤكد الدراسات الحديثة أن الشركات التي تكسب ولاء عملائها تتفوق على منافسيها من حيث عائد الاستثمار بمقدار 3.5 مرة، بحسب أحدث تقارير شركة Bain & Co، مما يبرز التأثير المالي الكبير لوضع العملاء في صميم استراتيجية العمل.

الشركات التي تكسب ولاء عملائها تتفوق على المستثمرين!

السمات المشتركة للجهات الرائدة في السوق المرتكزة على العميل

تشترك المؤسسات التي تتفوّق في محورية العميل بعدد من الخصائص الجوهرية، من أبرزها:

الهوس بالعميل كقيمة أساسية: تُعطي هذه المؤسسات الأولوية الكاملة لاحتياجات العملاء وتجاربهم، مدركةً أن ولاء العميل هو مفتاح النمو المستدام.

فهم عميق وتعاطف مع العملاء: تستثمر في فهم نقاط الألم والرغبات والتوقعات الخاصة بالعملاء على نحو دقيق.

ثقافة تنظيمية تتمحور حول العميل: تعزز ثقافة تضع العميل في مركز كل شيء، من خلال تشجيع التعاون بين الأقسام، وتحفيز الموظفين، ومنحهم الثقة لاتخاذ قرارات مؤثرة في تجربة العميل.

التواصل المفتوح والشفافية: تهيّئ بيئة تستقبل ملاحظات العملاء والموظفين على حد سواء، وتدمجها بنشاط في قرارات العمل.

الابتكار المستند إلى رؤى العملاء: تعتمد على ملاحظات العملاء كمصدر مستمر للابتكار، لضمان أن تتطوّر المنتجات والخدمات بما يتماشى مع التغيرات في احتياجات السوق.

دروس من الجهات الرائدة في السوق

تميّزت شركات رائدة على مستوى العالم باتباعها منهجية مرتكزة على العميل. إليك بعض الأمثلة الملهمة:

(ملاحظة: لا يُقصد من ذكر هذه الأسماء الترويج لها، بل استخدامها كمراجع لدراسة الأساليب الناجحة.)

-أتقنت شركة آبل Apple محورية العميل من خلال استباق حاجات المستخدمين، والاهتمام الفائق بسهولة الاستخدام، ودمج الأنظمة بسلاسة، وتصميم منتجات تثير ارتباطًا عاطفيًا عميقًا مع العملاء.

-تميّزت أمازون Amazon في تخصيص التجربة باستخدام البيانات، حيث تستفيد من تحليل سلوك العملاء لتقديم تجارب مصممة خصيصًا، مع التركيز على بناء علاقات طويلة الأمد

- تتفوق Costco في تحقيق التوازن بين القيمة والجودة، وتضع سعادة الموظفين ضمن أولوياتها، مما يؤدي إلى تقديم تجربة تسوّق مميزة دون المساس بالأسعار المناسبة

- تخلق Trader Joe’s بيئة عمل إيجابية تعزز مشاركة الموظفين، وهو ما ينعكس في تعاملهم الودود ومعرفتهم الواسعة، مما يضمن تجربة استثنائية للعملاء.

تحقق Patagonia ولاء العملاء من خلال التزامها الثابت بالاستدامة والمسؤولية البيئية، مما يجذب جمهورًا يشاركها ذات القيم والمبادئ

هذه الأمثلة تبيّن كيف يمكن للمؤسسات التي تضع العميل في جوهر عملياتها والتي تبني ولاءً حقيقيًا وتحقّق ميزة تنافسية يصعب تقليدها.

أربعة إجراءات أساسية لبناء عقلية تتمحور حول العميل:

يتطلب تحويل المؤسسة إلى كيان مرتكز على العميل استراتيجية مدروسة. فيما يلي أربعة عناصر أساسية لتحقيق ذلك:

الالتزام من الأعلى إلى الأسفل: يجب أن تبدأ هذه العقلية من القيادة العليا، حيث يحدّد التنفيذيون بوضوح رؤية المؤسسة التي تركز على العميل، ويجسّدون السلوكيات المطلوبة.

رواية ملهمة وموحّدة: لا بد من سرد قصة توحّد الفرق حول غرض المؤسسة تجاه العميل، وتوضّح كيف أن لكل موظف دوراً مباشراً ومؤثراً في تحسين تجربة العميل.

تعزيز السلوكيات المتمحورة حول العميل: من خلال إظهار كيف تؤثر تصرفات الموظفين على الزملاء والعملاء على حد سواء، يمكن ترسيخ السلوكيات التي تسهم في تعزيز تجربة العميل.

تطوير القدرات والمهارات: يجب توفير الأدوات والقدرات التي تمكّن الموظفين من تطبيق ممارسات تتمحور حول العميل في أعمالهم اليومية بفعالية.

التغلب على تحديات التنفيذ

لا تخلو رحلة التحوّل نحو محورية العميل من التحديات. وغالبًا ما تواجه المؤسسات العقبات التالية:

مقاومة التغيير: قد يرفض الموظفون التغيير بسبب الاعتياد على الإجراءات الحالية، أو الخوف من فقدان السيطرة، أو ضعف التواصل بشأن الفوائد. يمكن للقيادة معالجة ذلك من خلال التواصل الفعّال، وتوفير التدريب، والاحتفال بالنجاحات المبكرة

العمل في فرق منعزلة: تؤدي العمليات المنفصلة بين الأقسام إلى ضعف تدفق المعلومات وعدم الحصول على رؤية شاملة للعميل. يمكن التغلب على هذه المشكلة من خلال تعزيز التعاون بين الفرق، واعتماد مؤشرات أداء مشتركة، وتكامل الأنظمة التقنية..

الأنظمة القديمة: قد لا تدعم التكنولوجيا المتقدمة التكامل المطلوب لبيانات العملاء. لذا، يجب اعتماد خطة تدريجية لتحديث الأنظمة، مع التركيز على حلول إدارة بيانات العملاء.

الضغوط المالية قصيرة المدى: قد تؤدي الأولويات المالية الفورية إلى إهمال الاستثمارات طويلة الأجل في تجربة العميل. من الضروري إعداد مبرر تجاري واضح يوازن بين العائد قصير المدى والتأثير طويل الأمد للحفاظ على التزام القيادة.

الطريق نحو الأمام

وفقًا لتقرير صادر عن شركة Qualtrics، فإن 2٪ فقط من الشركات تمكنت من تحقيق النضج الكامل في محورية العميل، ما يخلق فرصة هائلة للتميّز في السوق.ينبغي على المؤسسات الراغبة في محاكاة قادة السوق أن تعمل بشكل منهجي على بناء ثقافة وقدرات تتمحور حول العميل، وذلك من خلال تركيز واعٍ وتوظيف استراتيجي للموارد.تبدأ الرحلة بالتزام القيادة بجعل العميل محور جميع القرارات. سواء عبر توضيح غرض المؤسسة، أو الانخراط الفعّال مع العملاء، أو معالجة نقاط الألم المعروفة، فإن التحوّل يبدأ بالفعل المتعمّد. في سوق تحرّكه احتياجات العملاء بشكل متزايد، فإن المؤسسات التي تنجح في غرس محورية العميل في جوهر عملياتها لن تكتفي بالبقاء، بل ستزدهر. السؤال الحقيقي لم يعد: "هل تستطيع الشركات أن تكون متمحورة حول العميل؟" بل أصبح: "هل تستطيع تحمّل عواقب ألا تكون كذلك؟"

يعود الفضل في الترجمة العربية إلى Batoul Elkhader

المقال الأصلي باللغة الإنجليزية: https://xperiente.com/insights/f/customer-centricity